الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
من قال إن الأنبياء يخطئون فقد أخطأ، ومن نفى الخطأ عنهم فقد أخطأ أيضاً، فلا بد في الجواب من التفصيل:
فإن قصد خطأهم فيما يبلغون عن الله، فقد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -ولاسيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم- معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل، كما قال عز وجل: "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى".
فنبينا محمد صلى الله عليه سلم معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولاً وعملاً وتقريراً، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وهم معصومون أيضاً من الوقوع في الكبائر، وأما الصغائر فأكثر علماء الإسلام على أنهم ليسوا بمعصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يقرون عليها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدى: أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلاَّ ما يوافق هذا القول" مجموع الفتاوى (4/319).
ويدل على أنه يقع من نبينا صلى الله عليه وسلم ما يعاتب عليه دون إقراره عليه:
ما ذكره القرآن، من قوله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم"، وكذا عاتبه في الأسرى، وفي خبر ابن أم مكتوم في سورة عبس.
ومن قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إخوانه من الأنبياء عليهم السلام كما قص الله عنهم في كتابه مما يقع من أخطاء يتوبون بعدها وينيبون، كما في قصة نوح –عليه السلام- مع ابنه، وداود ومن تسور المحراب...
أما أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك، كما وقع من نبينا صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْوَاتًا. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ. فَقَالَ: لَوْ تَرَكُوهُ فَلَمْ يُلَقِّحُوهُ لَصَلُحَ. فَتَرَكُوهُ فَلَمْ يُلَقِّحُوهُ فَخَرَجَ شِيصًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: تَرَكُوهُ لِمَا قُلْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ. أخرجه الإمام أحمد (20/19)، والإمام مسلم (4/1836)، رقم (2363).
فعلى هذا يتضح أن الأنبياء معصومون عن الخطأ فيما يبلغونه عن الله سبحانه، كما أنهم معصومون عن كبائر الذنوب، وقد يقع منهم الخطأ في الصغائر، أو في أمور الدنيا مما الناس أعلم به.
وبهذا يتبين أن قول من قال: إن النبي يخطئ بهذا الإطلاق قول باطل، ولا بد من التفصيل كما ذكر. والله أعلم.